طال بحث ساري باهتمام بين الملابس الكثيرة المعلقة على الحوامل المعدنية الملونة في المتجر الكبير , كانت عيناه تتجوَّلان بحثا عن شيء ما داخل المحل لم تعرفه والدته و لم تفهمه , كان يقرأ البطاقات الملصقة على الملابس بدقة ثم يغادر نحو حامل آخر للملابس , و غلب الفضول والدته أخيرا , فسألته و هي تحمل كومة من الملابس :
- هل تعجبك هذه السترة يا ساري ؟
أجاب دون ابتسام :
- نعم
سألت مجددا :
- هل أشتري لك هذا البنطال أم هذا ؟
أجاب دون اكتراث :
- هذا .
قطبت جبينها مستغربة و هي تسأل :
- هل هناك ما يزعجك يا صغيري ؟
- لا
- هل تريد شيئا آخر ؟
- أريد قميصا .
ضحكت الأم من بساطة الطلب و غرابته , فلم تكن تتوقع من ابنها أن يهتم لشراء قميص يوما , و قد كانت نظراته و بحثه الغريب قد أدهشتها و أخافتها أيضا .
أخرجت له قميصا سماويا من أحد الحوامل و قرَّبته منه بابتسامة و هي تقول :
- هل يعجبك هذا القميص .. سيكون رائعا مع بنطال الجينز الأزرق الجديد ؟
أمسكه بحزن :
- و لكنها( بلوزة) و ليست قميصا ؟
ضحكت مجددا :
- نعم نعم يا صغيري يقولون عنها بلوزة و يقولون عنها قميصا أيضا .
بحث عن البطاقة و قرأ ما كتب عليها و هو يتهجى ببطء :
- ق ..قم ..قمي…قميص
ابتسم ابتسامة كبيرة و اقترب يقبل وجنة والدته و هو يقول :
- نعم هذا قميص ..هيا لنذهب .
- انتظر يا حبيبي ما زلت أبحث لك عن بعض الأشياء .
انصاع ساري لرغبة والدته و سار معها و هو يمسك قميصه رافضا وضعه بين بقية الأشياء , و قد تخلى بعد الحصول عليه عن بحثه وعن قراءته للبطاقات , ثم وافق على كل ما اختارته له من ملابس و أحذية, و قد تناول القميص مباشرة بعد إدخال ثمنه في قائمتهم , فابتسم البائع ودهشت عندما رفض أن يجعله في الحقيبة الورقية الكبيرة التي قدمها لهم البائع . خرجا معا من المتجر ففتحت له أمه الحقيبة الورقية مجددا و هي تقول بحزم :
- ضع القميص هنا فليس من اللائق أن تحمله في الطريق هكذا دون حقيبة .
استجاب ساري ووضعه بحزن ثم سار بجانبها و عيناه ترمقان ما ابتعد عنه مضطرا, و قد غابت عن وجهه تلك الابتسامة التي رسمها لقاؤه بقميصه السماوي الجميل .
بعد مدة بدأ الندم يتسرب مسرعا نحو قلب الأم و قد رأت تلك الاستجابة الهادئة الحزينة ,و رأت طفلها يسير بجانبها ساهما مطرقا و عيناه لا تفارق الحقيبة الورقية التي تحملها فقالت معتذرة :
- لا تحزن يا حبيبي .. ستأخذ قميصك حال وصولنا إلى المنزل و لن يأخذه منك أحد بعدها .
- أريد أن أخذه معي إلى المدرسة يا أمي .
نظرت الأم نحو طفلها باستغراب و سألته :
- هل تعني أنك تريد ارتداءه بدلا من ملابس المدرسة ؟
- لا سأضعه في الحقيبة .
- لماذا ؟
- أريد أن ألقيه على وجه عامر ليعود له بصره ..لقد أخبرنا المعلم أن أولاد النبي يعقوب عليه السلام ألقوا على وجهه قميصا فعاد له بصره و عامر صديقي مسكين أيضا لا يرى الأشياء و قد تعثر البارحة و شج رأسه وقد بكى و بكيت معه كثيرا .
تركت الأم يد ساري فنظر نحوها ليجدها تمسح دمعتها هي الأخرى .