جلس الشاب أحمد مستغرقاً في أحلامه، هاهو الشهر ينادي على الرحيل مما يعني ضرورة تأمين أجار منزله المتهالك، ودفع الفواتير التي تقسم الظهر.
كانت زوجته الصابرة تواسيه وتخفف عنه بقولها إن الله خلقنا وهو الرحيم بعباده، وكان أولادها الصغار يتلحفون بالأغطية حوله فلا كهرباء للمدفأة ولا محروقات تخفف من هذا البرد القارص.
حاول أحمد طرق جميع الأبواب بحثاً عن عمل يطوي عنه ألم الغربة، ومرارة الفراق.
لم يكن بيده حيلة فحال الناس من بعضه، وكلهم يشكون الظروف المعيشية الصعبة، وهنا قرر السفر إلى إحدى الدول الخليجية ليعمل سائقا على سيارة شاحنة ، وبدأت الأمور بالتحسن، وأحبه جميع من عمل معهم لطيب أخلاقه وبساطته وتفانيه في العمل، كان يحلم بالحج وحقق حلمه في ذلك العام …
وفي 24/4/ 2011م كان أحمد في زيارة لبلدته تلبيسة لرؤية أولاده الذين لم يرهم من فترة طويلة وليطمئن على زوجته الحامل التي أوشكت على الولادة… عاد إلى بلدته وكله أمل بغدٍ أفضل له ولأولاده…ذهب لصلاة الجمعة في مسجد الصحابي الجليل أبي بكر الصديق وما إن انتهت الصلاة حتى تجمع الأحرار ليعلنوا رفضهم الظلم ولمساندة مدينة درعا الذبيحة، وما إن سمِع أحمد هتاف حرية .. حرية .. حرية . حتى بدأ أحمد يتنسم عبق الحرية المنبعث من حناجر الأحرار… وتجمع الأحرار في ساحة الشهداء ليعلنوها مجلجلة .. الله .. سوريا .. حرية وبس….والشعب يريد إسقاط النظام….لم يتحمل شبيحة الأسد هذا المنظر المهيب .. وجُنَّ جنونهم .. فبدؤوا بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين … ليسقط عدة شهداء وزهور في جمعة حملة اسم جمعة الغضب .. ومن بينهم أحمد.
رحل أحمد تاركاً وراءه زوجة وطفلين وطفلاً لم يولد بعد … ولن يولد لأنه لحق بأبيه بعد تلك الظروف التي تعرضت لها الأم.